يطلّ الكتاب بلون ٍ زاهي لا يكسر هدوءه سوى القطع المتناثرة التي اعتلت غلافه وبدت بحاجه إلى إعادة تركيب تماماً كما هي أفكارنا حين تحتاج إلى ذات الأمر بين الفينة والأخرى.
” حيث تلدُ الكلماتُ كلمات ٍ ..وتثير الأفكارُ أفكاراً أعمق ” كانت عبارة موجزة تنبيء عن ماحواه الكتاب وعن طريقة الكاتب باسل شيخو التي انتهجها من خلال إشعال فتيل التأمل والتفكير عبر قصاصات يتلقفها القاريء , لا يكتفي بمصافحتها سريعاً بل عليه أن يتحسس وقع كلماتها ثم ينقل آثارها مااستطاع.
” هذا ماتبحث عنه” أيّا كنت قاصداً للفكر أو للأدب , ستجد بغيتك وفق قالب سلس لن يشعرك بسلطة الكاتب الذي آثر أن يقدم مادة الكتاب بقلائد من شأنها أن تكسب الفكر بهاء .
” تحت ضوء القمر – للقصة سحرها” كان عنوان القلادة الأولى التي كانت حباتها قصصاً قصيرة كان الهدف من إيرادها وفق رأي الكاتب ” ليس من نافلة البيان وترف القول هذه الكلمات : إن خير وسيلة لإشعال روح عزائمنا , وقدح زناد فكرنا وتحريض أدق ذرات مواهبنا , وتفجير طاقاتنا , هي القصة وفضاءاتها“.
القصص المُختاره في كل ٍ منها عبرة أراد الكاتب إيصالها بلغة موجزة أدعى للقبول , فـ ” الجمود والتقليد ..موت بطيء, العيش في كنف المبدأ تجرد وسعه , الإصلاح لايتجزأ , لاتبخسوا أنفسكم قدرها , تجافى عن أشواك المرجفين” كانت أكبر من مجرد عناوين اعتلت النصوص بل كانت أفكاراً تم إيصالها بطريقة غير مباشرة.
أما القلادة الثانية فلقد أتخذت من الفكر شعاراً وأختار لها ” وتحت شمس الفكر , للكلمة ظلالها” عنواناً , اعتمد في نظمها على نصوص قصيرة احترت من أيّيها أقتبس ..
فكان ماسيأتي قبس من نور
” وللقلوب الكبيرة .. تُقرع الأجراس “
أيها المدثر بالأحزان .. في جوف الليل الأخير ..
يامن تتميز غيظاً .. وتذهب نفسك على الناس والحياة ..حسرات..
تذكر .. وفي هذه اللحظات العصيبة .. بأنك ..
” قد تكون أنت .. أنت .. بالنسبة للعالم مجرد شخص ..
ولكنك لشخص ما .. قد تكون أنت العالم “
وللقلوب الكبيرة .. تُقرع الأجراس .
” الخيار خيارك “
لك أن تقرأ هذه الإضاءة الحياتية .. ولك ألاتفعل..
لك أن تقرأها ببصر وبصيرة .. ولك مادون ذلك .
” إذا قابلت الإساءة بالإساءة , فمتى تنتهي الإساءة ؟!”
” هذه صيحتي “
ياأيها الواقف في مكانه!.. المعطل لطاقاته وقدراته!..
ألم تسمع قول الفيلسوف ” وليم جيمس” بأن أعظم ثورة فكرية حصلت في عصرنا الحديث هي اكتشاف الإنسان أنه بتغيير مواقفه الذهنية والنفسية يستطيع أن يغير مظاهر حياته بأكملها ؟!..
فإلى متى ستبقى تتهيب صعود الجبال .. وترضى بالعيش أبداً بين الحفر؟!..
وما قبل الخاتمة التي استعاض عنها الكاتب بـ ” رؤية وبيان ” أورد مقطوعة لشاعر فارسي قد تكون هي بيت القصيد في هذا الكتاب وإشارة رمزية للهدف الأسمى
وسألتُ ورقة يابسة التقطتها عن الأرض :
مالي أراك تتضوعين رائحة زكية ..
ألعلك الوردة ؟
فأجابتني وبسمة الثغر تسبقها :
” بل عشت برفقتها ردحاً من الزمن ” .
وهاأنذا أقول .. أن من يقرأ ردحاً من الزمن حريّ به أن يتضوّع فكراً !