ميلينا كــ ( امرأة مذهلة وصحافية أكثر إثارة للدهشة )
في هذا الكتاب يمكن التعرف على شخصية ميلينا بعيداً عن الجانب المختزل في علاقتها مع كافكا وهو السبب ذاته الذي ذكره المؤلف للكتابة عنها ( عُدت شخصية مصطنعة في رواية مراسلات. ظلّ خفياً عن معظم قراء رسائل إلى ميلينا حقيقة أن هناك حياة حقيقية وراء اسم ميلينا حيث توجد امرأة مذهلة، وصحافية أكثر إثارة للدهشة كما هو الحال مع العديد من النساء اللائي لعبن دوراً في حياة رجال مشهورين وكدن يختفين بظلهم).
يتتبع المؤلف حياة ميلينا عبر محطات مختلفة بدايةً بنشأتها وسط عائلة من عالمين مختلفين بين أب طموح يعمل كطبيب وذا توجه سياسي ورثت منه ابنته مسيرة النضال وبين أم قضت أغلبية أيامها كمريضة لذلك تحملت ميلينا مسؤولية العناية بها وستأخذ لاحقاً مسؤولية العناية بمن حولها كما تذكر. حينما كانت تلازم أمها في مرضها كان ( لديها شوق جنوني للفرار نحو العالم لم تكن تعني بهذا العالم مكاناً معيناً يمكن السفر إليه بل مكاناً مجهولاً لايمكن بلوغه يقع خارج الأفق، شيء ما، مدهش جداً وجديد جداً وقوي جداً لدرجة أنه يقي من أي حزن)، وبدت ميلينا دائماً كشخصية مستقلة حتى وإن خسرت الكثير جراء اختياراتها الخاطئة بداية من دراستها مروراً بحياتها الصاخبة ومحاولة التمرد على القوانين بممارستها للسرقات والجرائم الصغيرة وصولاً لعلاقاتها الكثيرة التي لم تستمر وأسفرت عن طفلة وحيدة.
اللحظة المفصلية في حياة ميلينا حينما انتقلت مع زوجها الأول إرنست بولاك إلى النمسا بعد معارضة والدها وهناك اكتشفت جانب مختلف من الحياة لم تكن مستعدة له من حيث الحاجة إلى مورد مالي بعد اعتمادها السابق على والدها فكانت بدايتها الفعلية في العمل الصحفي بكتابة المقالات وأيضاً الترجمة التي من خلالها تعرفت على كافكا حيث كانت تترجم أعماله إلى اللغة التشيكية وتطورت العلاقة لاحقاً إلى علاقة حماية ورعاية أكثر ( في فترة مرضه وأيامه الأخيرة) من كونها علاقة عاطفية لدرجة أن كافكا وضع مذكراتها في عهدتها. ومع التغييراتالسياسية التي شهدها العالم أبان الحرب العالمية الأولى والثانية بدأ يتشكل وعيها السياسي على الرغم من انتقالها لأكثر من خندق إلا أنها آمنت دائماً بحق الإنسان في التعبير عن رأيه لذلك ظلت شقتها على الدوام ملجأ للمطاردين سياسياً كما كان لها دور كبير في تهريب أصدقاءها من اليهود أثناء القمع النازي. تصادمت كثيراً مع رؤساء التحرير وانتقلت لأكثر من عمل حتى تم منعها أخيراً عن العمل ومحاكمتها بتهمة الاشتباه بالخيانة العظمى وعلى الرغم من الحكم ببراءتها إلا أن القانون كان يسمح بالحبس الاحتياطي لذلك قضت أيامها الأخيرة بالمعتقل. لم تتوقف عن المقاومة حيث عملت في القسم الطبي بالسجن واستطاعت من خلال تزييف التشخيصات أن تنقذ المريضات المعتقلات من عمليات التطهير التي تقوم بها إدارة السجن .
في فترة اعتقالها كان لدى ميلينا شعور بالذنب تجاه ابنتها ( هل أخفقت كوالدة ؟ هل كان عليها الهرب مسبقاً مع يانا؟ هل جازفت باستهتار في عملها بالمقاومة فتنشأ طفلتها دون والدة ؟ ). في عام ١٩٩٥ مُنحت ميلينا لقب الصالحين بين الأمم نظير مخاطرتها بحياتها في العهدالنازي لإنقاذ اليهود.
اقتباسات:
-
من مقالة لميلينا عن الزواج ( لماذا لايتعهدون بأن يتركوا لبعضهم بعضا حرية الهدوء، حرية الاعتكاف، حرية الانفعال الطبيعي؟ لماذالا يتعهدون بتحقيق تلك التفصيلات الصعبة غير المنتهية والتي لاتتحقق أبداً، بدلاً من شيء تافه كالسعادة؟).
-
كان رأي ميلينا عموماً، أنه يجب كتابة المقالات السياسية” كرسائل حب لها الألفة الصادقة عينها وتحمل القدر من الجدية والقلق المحموم ذاته وإن لم تُكتب هكذا فلن تصبح مقالات سياسية، بل مجرد ورق لايتناول شيئاً بداخله“.
-
” يموت الإنسان مرة واحدة فقط، وإن مات خوفاً قبل نفاد أجله، فسيكون قد حكم على نفسه بالموت قبل وقت رحيله“.
-
لم تكن الأبواب بل النوافذ هي ” بوابات الحرية” كما كتبت حينها يبدأ العالم من خارج النافذة” لأن النافذة هي مصدر الأمل في الضوء، عبر شروق الشمس في الأفق.. في النوافذ ينبت الشغف والرغبة“.
هذه المقالة كُتبت في التصنيف
حياةُ أخرى. أضف
الرابط الدائم إلى المفضلة.