ثلاثية الأجراس

ترددت في اقتناء آخرإصدارات إبراهيم نصرالله الذي اعتبره من كُتّابي المفضلين بسبب قراءتي لروايته حرب الكلب الثانية (حصلت على جائزة البوكر العربية٢٠١٨) التي لم تكن بمستوى كتاباته السابقة وتمنيت حينها لو حصل على الجائزة بسبب سلسلة الملهاةالفلسطينية.  ولكن بعد أن علمت أن ثلاثية الأجراس تعد من ضمن هذه السلسلة تشجعت لقراءتها.

تعد روايات الثلاثية منفصلة/متصلة في آنٍ واحد لذلك احترت بأيهم أبدأ لاسيما وأن الأغلفة لم تتضمن إشارة لترتيب معين فاستعنت بموقع goodreads فوجدتها مرتبة كالتالي(ظلال المفاتيح- سيرةعين-دبابة تحت شجرة عيدالميلاد) ولكل رواية موضوعها المستقل إلا أن خيوط العمل تكتمل في الرواية الثالثة حيث نلاحظ تداخل أحداث الروايتين السابقة ضمن السياق.

الجميل في الروايات الثلاث أنها تستند إلى أحداث واقعية وتلقي الضوء على أشخاص بعينهم (مثل رواية سيرة عين والتي تتحدث عن المصورة كريمة عبود) مع تنويه المؤلف أن أحداث الروايات بنيت بالخيال ،ولكن القاريء سيجد في الروايات توثيقاً لأحداث ومراحل مهمة من النضال الفلسطيني.

الرواية الأولى: ظلال المفاتيح

تقع الرواية في١٤٢صفحة ولغتها بسيطة تحكي عن الصراع الذي عاشته فلسطين مع الاحتلال متمثلاً في شخصيتين رئيسيتين؛ مريم والضابط الصهيوني ناحوم(سيكون له تواجد في الرواية الثالثة). مريم التي أملت عليها مبادئها ذات يوم أن تأوي جندي من الأعداء نظراً لصغر سنه سيكون عليها أن تدفع الثمن بشكل غير مباشر كل يوم مع التهجير القسري الذي تعرضت له هي وأهالي قريتها. رمزية المفتاح في الرواية وهاجس العودة لن يخبو وستحتفظ مريم حينها بحلم بناء قريتها من جديد. ليظل الحلم حقاً لها ولغيرها حتى مع ملاحقة الصهاينة له.

اقتباسات:

  •   قال قائدهم: أنت لاتستحق الرصاصة التي تطلق عليك. لكنه عاد وأضاف بعد صمت بل تستحقها ففي رأسك الكثير من الذكريات التي لن أسمح بأن تحملها معك بعيداً.
  • سرت إلى أبي تحسست جسده رجوته أن يحيا، حتى رجاء الأبنة لا يكفي لكي يستيقظ أبوها المقتول.
  • امتدت يدها إلى صدرها، تحسست مفتاح بيتها الذي هناك، كما لو أنها تتحسس ظلها وتهدهده لتطمئن أنها لم تزل على قيدالحياة. وتحولت عيناها إلى دمعتين كبيرتين. وطويلاً ستبقى هناك إلى ذلك الحدّ الذي سيجعلها تنسى أن للبيت باباً!.

الرواية الثانية: سيرة عين

أفضل رواية في الثلاثية من وجهة نظري، وهي بمثابة سيرة ذاتية لأول مصورة فلسطينية (كريمةعبود) ولذلك أنا مدينة للمؤلف لأنه عرفنا بشخصية مناضلة مثلها.  وثقت الرواية تجربتها وكسرها لاحتكار الرجال على عالم التصوير آنذاك. الرواية التي تقع في١٦٦ صفحة تتحدث عن فلسطين(١٨٩٣-١٩٤٠) من خلال المنعطفات التاريخية التي تمر بها شخوص الرواية وتوثق لفترة الاستعمار البريطاني وبدايات الاحتلال الصهيوني. السرد في الرواية في غاية الإمتاع عن فلسفة التصوير وعلاقة المصور بالكاميرا ودوره في التوثيق. تعاطفت كثيراً مع كريمة والمصاعب التي تعرضت لها أسرتها وعن علاقتها بالأشخاص الذين تلتقط لهم الصور وحكاية كل صورة (مثل حكاية الشهيد الذي التقطت له صورة قبل ساعات من استشهاده). أحببت كثيراً غلاف الرواية (صورة شخصية لكريمة) كما أن غلاف الرواية الثالثة صورة من تصويرها. 

اقتباسات

  • لكن مالم تفهمه أنها إذا ماأحبت شخصاً إلى حدكبير اكتفت بالنظرإلى صورته،لاإليه مباشرة.‏ هل كانت تدرك أن مايتبقى في النهاية هي الصور؟ 
  • ولكن هل تعتقد أن الليل هو ظل النهار؟لقد فكرت في هذا منذ سنوات وقلت لعله ظلالنا التي تفرّ لتتجمع هناك بعيداًعن أجسادنا وعنا ماإن نتأكد أننا نمنا.
  • كانت الكاميرا إلى جانب نعشها كما أوصت: أريدها أن ترافقني حتى القبر، ولكن لاأريد لها أن تدفن معي، أريدها أن ترى كل الأشياء التي لن أستطيع رؤيتها فيما بعد.

الرواية الثالثة: دبابة تحت شجرة عيد الميلاد

يمكن القول أن أحداث الروايتين السابقتين تكتمل في هذه الرواية، حيث يحسب للمؤلف توظيف الشخصيات السابقة في هذه الرواية دون الإخلال بالحبكة الروائية. تتحدث الرواية عن فترات متباعدة من النضال الفلسطيني على مدى٧٥ عاماً ولكنها على وجه الخصوص تتحدث عن مقاومة أهالي بيت ساحور أيام الانتفاضة الفلسطينية الأولى. حيث تتبع الرواية التي تقع في٥١٠ صفحة الأجيال داخل العائلة الواحدة وانتقال شعلة المقاومة من فرد إلى آخر. تتجلى في هذه الرواية صور التعايش داخل المجتمع الفلسطيني وهي رواية اجتماعية إن صحّ التعبير حيث نقرأ عن الحب والثقافة والموسيقى وتوثق لحركات النضال الشعبي داخل المجتمع الفلسطيني.

اقتباسات:

  • قطع الجنود الطريق. كان بودّ الصغار أن يصرخوا لكن حناجرهم التي كانت ممتلئة بالغناء لم يكن فيها متسع لصرخات الخوف.
  • رغم كل هذا الموت الذي نراه، إلا أن مابتّ متأكداً منه ياسلامة أننا كفلسطينين أصبحنا أفضل منذ أن حمل أولادنا الحجارة وعلّمونا كيف نرشق الجنود.
  • الذكريات هي أفضل وأسرع مركبة امتلكها الإنسان منذ وجوده على هذه الأرض. 
  • كنا في الماضي أبطالاً لأن البطولات كانت حولنا فردية، الآن في الانتفاضة نحن نعيش ثورة وكل الناس حولنا صاروا أبطالاً لذا تحولنا إلى أناس عاديين وهذا أفضل ماحدث لأن البطولة أصبحت بسيطة مثل الصباح والشمس والرعد والبرق والمطر.
هذه المقالة كُتبت ضمن التصنيف حياةُ أخرى. الوسوم: , , , , . أضف الرابط الدائم إلى المفضّلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.