قراءات رمضانية

شهر رمضان بالنسبة لي محطة للتزود من كل شيء تقريباً، وعلى رأس هذه الأمور القراءة التي أشحن ذاتي فعلياً لها بعد فترة عمل مطوّلة تسبقه وفتور في القراءة. ومن خلال هذا الشهر  أستعيد ثقتي مجدداً بمقدرتي على قراءة الكتب الضخمة. ولأن حصيلتي من الكتب لهذا العام وفيرة لم أقلق بشأن الخيارات لكن فضّلت أن أبدأ بقراءة المؤجل من القائمة۔ هذه التدوينة كتبتها عن الكتب التي قرأتها في الأسابيع الأولى من رمضان، أما حالياً فأنني أقرأ كتاب (أول مرة أتدبر القرآن) من نسخة الكترونية.

الكتاب الأول: حياتي بين الجوع والحب والحرب-الجزء الأول

المؤلف: عزيز ضياء

قرأت الكتاب سابقاً بنسخة الكترونية غير مكتملة منذ مدة طويلة إلى أن أحداثه بقيت عالقة لشدة وقعها علي لذلك بحثت مطولاً للحصول عليه بنسخته الورقية حتى اشبع فضولي عن الحقبة التاريخية التي يتطرق لها الكتاب. يتحدث المؤلف في هذا الجزء عن مراحل طفولته الأولى والتهجير الذي تعرض له أهالي المدينة المنورة وأيام (سفر برلك ) حيث أضطر للتنقل مع عائلته بين حلب وحماة وواجه صنوف من المصاعب كالمجاعات والحروب التي واجهوها آنذاك ومن ثم العودة للمدينة المنورة بعد أن فقد في رحلة التهجير الكثير من أفراد عائلته. الكتاب بمثابة مرجع للحياة التاريخية والسياسية آنذاك. الجزء الأول يقع في ٣٦٥ صفحة تبتديء الأحداث من يوم التهجير  تحت عنوان ( أول صباح في حياتي ) وينتهي الجزء الأول عند وصول المؤلف إلى سن السابعة حيث كان هذا العمر مفصلي بحيث حصلت والدته على الطلاق من أبيه الذي لايعلم عنه شيء بعد سفره. وعلى الرغم من أن السنوات التي يغطيها الجزء الأول قليلة إلا أنها زاخرة بالأحداث. أعجبني  في طريقة السرد أنها بسيطة مكتوبة فعلاً بلسان طفل على الرغم من أنه دوّن الأحداث بعدها بسنوات طويلة.

الكتاب الثاني : حياتي بين الجوع والحب والحرب_الجزء الثاني 

يستكمل عزيز ضياء في هذا الجزء كتابة ذكرياته في ٣٣٤ صفحة  وإن كان يعمد للقفز على هذه المراحل لمحاولة تغطية أكبر قدر  ممكن من الذكريات لكن للأسف ينتهي الجزء عند بدايات حياته العملية وكأنما انتهت الذكريات مبتورة وربما لم يسعف المرض المؤلف رحمه الله في كتابة بقية مذكراته. الجميل في هذا الجزء أنه يغطي بدايات التغيّر الاجتماعي والاقتصادي مع توحيد المملكة وبدايات انشاء المؤسسات الحكومية آنذاك والفرص الكثيرة التي اتيحت له على الرغم من صغر سنه. أيضاً استمتعت بسرد المؤلف عن بدايات التعليم في المدينة المنورة وطرق التعليم المُتبعة آنذاك. وَمِمَّا استوقفني في مذكرات عزيز ضياء بشكلٍ عام التعايش بين جميع الأعراق آنذاك دون التقليل من دور أيٍ منها.

التقييم للأجزاء ككل : ٤من ٥.

اقتباسات:

– سرحت بخيال الطفل في هذه الجنة التي أسمع عنها كلما طرأت ذكرى الأموات وعجبت في نفسي وتساءلت لِمَ لايذهب كل الناس إليها؟ لماذا يتركون الموتى هناك وحدهم ويعودون.

– قضيت طفولة فتحت عينيها على مآسي الحرب العالمية الأولى فعرفت الكثير الذي لن يتاح لأحد أن يعرفه إلا إذا عاش تلك الفترة من من تاريخ البشر. عرفت الرعب الذي لايملأ القلب فحسب وإنما يملأ الأحلام لسنين طويلة من العمر.

– في الواقع أني بعد هذه الأعوام الطويلة مازلت أرى أن في حياتي قبل العشرين مايمكن أن يملأ فصولاً طويلة أو مايمكن أن أَجد فيه عناصر قصص لا قصة واحدة.

الكتاب الثالث: الساعة الخامسة والعشرون

تأليف:قسطنطين جيورجيو 

عدد الصفحات: ٤٩٦

بعد أن بدأت في قراءة الصفحات الأولى كنت متيقنة من أنني على موعد مع أحداث مشوّقة لأن البداية لوحدها كانت كفيلة بشدّ القارئ وتفهمت تماماً الضجة التي ترافق الرواية منذ صدورها رغم مرور أعوام عديدة. الفكرة الأساسية التي تتناولها الرواية فكرة الصراع البشري والتقنّي ومراحل تحوّل السيطرة وميلان الكفّة للمجتمع التقني. المميز في هذه الرواية أنه يمكن إسقاط أحداثها على أي مجتمع والصراع الطبقي فيه. التفاصيل البسيطة التي يدوّنها المؤلف عن كل شخصية تجعلك تتعاطف معها في الصراع الدائر بين عدة أمم والخاسر الوحيد فيها هو الإنسان بخسارته لإنسانيته قبل خسارته لروحه. أفضِّل هذا النوع من الروايات القائم على فكرة متينة تتفرع أحداثها وتتقاطع في توصيل الفكرة. ويمكنني القول أنها ستكون على قائمة أفضل ماقرأت. بعض الأحداث مكتوبة بدقة عالية وكأنك تتصور المشهد ماثلاً أمامك مثل حوار موريتز وترويان في شاحنة نقل المعتقلين وكيف استطاع تصوير المشهد بطريقة بيكاسو في الرسم.

التقييم: ٥من ٥

اقتباسات:

– لكي يحب الإنسان ينبغي أن يستطيع الإيمان بالمستقبل ينبغي الإيمان بالسعادة بل وأكثر من ذلك ينبغي الإيمان بأن هذه السعادة أبدية وأنها لايمكن أن تُمنح لنا إلا من قبل من نحبه ويحبنا.

– إن معظم الناس على هذه الأرض ليسوا مغامرين ومع ذلك إنهم جميعاً يمرون أحياناً مرغمين بمغامرات يعجز أكبر روائيي الإثارة عن تخيّل مثلها 

-أنا كاتب وفي نظري أن الكاتب نوع من المروضين فهو حين يبرز الجمال للبشر وأقصد الحقيقة إنما يرهف شعورهم 

– إن الأمل الوحيد الذي نحتفظ به حتى الآن هو أن لانكون أمواتا غير أن الأمل لايمكن أن يضاهي الحياة نفسها فالأمل عشبة تنبت حتى بين القبور

– إن كل سعادة بشرية تتحول إلى فعل استهتار بمجرد أن تُحلل وتُسند إلى المطلق.

هذه المقالة كُتبت ضمن التصنيف . الوسوم: , , , , . أضف الرابط الدائم إلى المفضّلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.