اختراع العزلة
كتاب: اختراع العزلة
المؤلف: بول أوستر
عدد الصفحات: ١٦٨
الطبعة: الأولى ٢٠١٦
دار النشر: أثر
السؤال الأول الذي تبادر إلى ذهني فور إتمام قراءة الكتاب أيهما انتصر على الآخر بول أوستر الإنسان أم الكاتب؟ وهل كل مايُعاش يستحق أن ينشر للعلن. الكتاب الذي يتحدث عن والد المؤلف بشفافية لامتناهية سبّب مشاكل واعتراضات من قبل عائلته إلا أنه تمسك بنشره.
الرجل الغير مرئي( وهو والد المؤلف ) انكشفت صورته بشكل أكبر بعد وفاته، حينما حاول ابنه جمع خيوط حياة والده ولكنه في كل مره لم يكن يحصل سوى على ظلال حياة غير قابلة لأن تُعاش مرة أخرى ولو على سبيل السرد.عزم المؤلف على الكتابة عن والده فور وصول نبأ وفاته لكن تجربة الكتابة لم تكن بسهولة اتخاذ القرار لأن من يكتب عنه على حد قوله شخص : ( يخلو من الشغف نحو أي شيء أو أي شخص أو أية فكرة. يعجز عن كشف نفسه تحت أي ظرف أو أنه لايرغب في ذلك، فقد تمكن من الإبقاء على مسافة تفصله عن الحياة لكي يتجنب الانغمار في جريانها وسرعة أشيائها). كما يصفه بقوله:( لم يبدو كرجل يحتل حيزاً من الفراغ وإنما ككتلة من حيّز منيع على هيئة رجل يرتد العالم عنه يتهشم أمامه وأحياناً يلتصق به حد التماهي دون أن يخترقه).
ومن ضمن محاولات المؤلف لكتابة سيرة ملائمة تليق بذكرى “أب” قرر البقاء في منزل والده الذي لم يعكس سوى شخصية صاحبه ( لم يكن المكان الذي عاش فيه هو محور حياته هنا تكمن المشكلة كان منزله محطة فقط من محطات كثيرة في وجوده المقلق المحلول الوثاق وكان لهذا الافتقار إلى مكان يرتكز إليه أثر مباشر في تحويله إلى متجول دائم إلى سائح في حياته نفسها فلا يمكن الشعور أبداً إلى حاجته للاستقرار).
الجانب المستفز من أسلوب الكاتب أنه بدا وكأنه يتكلم عن شخص غريب لذا حاول استدعاء مواقف من الذاكرة تعزز مكانته في سبيل إيقاف سيل المواقف السلبية التي تداعت له مجرد ماأراد الكتابة، لذا حاول أن يذكر نفسه بها بين الفينة والأخرى مثل احتفاء والده بمقالاته وإصداراته وتكبده عناء الذهاب للمكتبات العامة لقراءة جديد ابنه، وحاول المؤلف أن يمزج مابين علاقته مع أبيه وعلاقته مع ابنه من خلال قلب الأدوار.
يتضمن الكتاب في القسم الأخير مقتطفات بعنوان كتاب الذاكرة عبارة عن ثلاثة عشر موضوع منفصل متصل في آنٍ واحد لتجربته في الكتابة عن والده فهو ينطلق من كون الذاكرة مكان ذو غرف وكل تفاصيل الذكريات يجب أن تُحفظ ومن ثم تُفعّل كما يجب.
ملاحظات:
لم أملك سوى أن أتعاطف مع الأب اللامرئي واتخيل كيف ستكون ردة فعله لو قرأ ماكتبه ابنه عنه، وفي ذات الوقت شجاعة المؤلف كانت كفيلة لإمتاعنا بهذا الكتاب .
تقييمي للكتاب ٤من ٥.
اقتباسات:
– لاشيء أكثر رهبة من مواجهة أغراض رجل مات. الأشياء تهمد أيضاً فمعناها كامنٌ في دورها خلال حياة صاحبها وحسب.
– بالنسبة إلى رجل لايجد الحياة محتملة إلا بأن يبقى على سطح نفسه فإنه من الطبيعي ألا يرضى بكشف شَيءٍ للآخرين سوى مظهره الخارجي.
– لم تكن عزلة على طريقة يونس عندما صلى للخلاص في بطن حوت بل عزلة للتخلي بمعنى ألّا يضطر للنظر إلى نفسه أو ليس عليه أن ينظر إلى نفسه منظوراً إليها بعيون الآخرين.
– لم يتكلم قط عن نفسه، ولم تتراءى لنا قط درايته بأن هناك أموراً يستطيع الحديث عنها. كان يبدو وكأن حياته الداخلية قد استعصت حتى عليه.
– صارت فكرة الثراء عنده تعادل فكرة الهرب: الهرب من الأذى، ومن المعاناة من أن يكون ضحية. لم يكن يحاول شراء السعادة ولكنه كان ببساطة يحاول شراء غياب التعاسة.
– راح يدرأ عن نفسه أيّة صلة حميمية بأشكال العالم وأنسجته وبتر نفسه تماماً عن أي احتمال لاختبار المتعة الجمالية. العالم الذي أطلٌ عليه كان حيزاً عملياً. كل شيء فيه له قيمة وثمن والفكرة هي أن تحصل على الأشياء التي تحتاجها بأقل ثمن ممكن. يتم استيعاب كل شيء وفقاً لوظيفته فقط، ويقدر لتكلفته وحسب، لا كشيء ذو جوهر ويحمل خصائصه التي تميزه.
هذه المقالة كُتبت ضمن التصنيف
حياةُ أخرى. الوسوم:
اختراع العزلة,
بول أوستر,
سيرة ذاتية. أضف
الرابط الدائم إلى المفضّلة.